السينما الإيرانية : ما السر الذي يجعل افلام ايران عالمية؟

من المعروف عني إعجابي بالدراما والأفلام الإيرانية القديمة والحديثة. ويسألني الكثير من الأشخاص بعجبٍ شديد عن السبب، خاصةً مع عدم رواج السينما الإيرانية وأفلامها في المناخ العربي.

لذا سأحاول الإجابة عن سؤال: لماذا تنجح افلام ايران في الوصول للعالمية في حين تعجز الأفلام العربية -والمصرية خاصةً رغم تاريخها المتدد- عن تحقيق أي جوائز عالمية مثلما تنهال على السينما الإيرانية في أغلب المحافل الدولية.

1- السينما الإيرانية تعالج قصة

لا تدعي معظم الأفلام الإيرانية قضايا غير منطقية أو تختلق قصة للربح التجاري، إذ نرى في السينما الإيرانية معالجة حقيقية وواقعية للكثير من القصص الإنسانية.

وربما لا يتحاشى مخرجو إيران الحديث عن مشاكل الشعب والاستبداد واضطهاد المرأة وحيرة الإنسان في الحياة بهدف تجنب مواجهة الرقابة.

لكن في الوقت نفسه، تتجنب السينما الإيرانية التصريح المباشر والهجاء الصريح، مما يجعل السلطة نفسها تروج للأفلام الإيرانية دون أن تعي ما تقوم به!

دعنا نأخذ على سبيل المثال الفيلم الإيراني الذكي جدًا «الدائرة»، الذي يتحدث عن الاستبداد المجتمعي والاضطهاد الممارس على النساء في إيران بصورة ذكية جدًا.

2- افلام ايران غنية بالحوار الذكي

دعنا نتمعن في أي فيلم ايراني مشهور، ونركز على سيناريو الفيلم وحواره، سنرى ثراءً قويًا في لغة الحوار. لا أقصد هنا استخدام كلمات معقدة أو جمل فلسفية تخلو من الإسقاطات، بل سترى تناغمًا في الحوار يتوافق مع الأحداث ببساطة ولا يكشفها.

على عكس معظم الأفلام العربية وخاصةً المصرية التي إما تتوغل في الجمل الرنانة لكي تجذب المشاهد بالكلمات ال Catchy، أو الحديث بفصحى عرجاء تخلو من أدنى أساسيات الإعراب والبلاغة عند تقديم أحداثٍ تاريخية. ستجد في السينما الإيرانية الكثير من التفاصيل العميقة والعرض السلس لتغيرات المجتمع الإيراني، وكل هذا دون إدعاء.

3- السينما الإيرانية تهتم بالإنسان

بعض الأفلام لها أيديولوجية مسبقة، كأن يتفق المخرج على إيصال رسالة مفادها وليكن (أن حقوق الإنسان مهمة) ومن ثم تتوافق عوامل السيناريو والموسيقى والتصوير والتمثيل وغيرها ليعرض المخرج هذه الرسالة.

وفي السينما الإيرانية، نرى تركيزًا واضحًا على صراعات الإنسان المختلفة، فمثلًا في فيلم طعم الكرز نرى حيرة الإنسان في تقبل ظروف حياته الصعبة وخوفه من الإقدام على الموت.

في حين نرى في فيلم بخصوص إيللى هجاءً صريحًا للتقاليد الإيرانية التي تُكبد المرأة (والإنسان)؛ حتى يصير مجهولًا ويفشل حتى مقربوه في التعرف على شخصيته الحقيقة بعد موته!

تُصاغ جميع تلك الأفكار بعناية وبأسلوب متسلسل لا يتعمد إدهاشك أو محاولات التأثير الفجة، مما يشجع المشاهد على التمعن في قضايا الأفلام الإيرانية بصورة أكبر.

4- السينما الإيرانية لا تُعطي نهايات سعيدة غير واقعية

من الأمور الواضحة في السينما الإيرانية أنها لا تفرض أي وصايا أخلاقية أو هجاء صريح أو حل نهائي للعقدة، مما يجعل المشاهد في حيرة كالأبطال تمامًا.

ليُنهي الفيلم ولكن لا يستطيع إنهاء فكرته وتبقى حاضرة معه لوقت ليس بالقليل.

على عكس معظم الأفلام العربية التي إما تتعمد إنهاء الفيلم نهاية سعيدة (حتى لا يحزن المشاهد العاطفي الذي ينتظر أن تُحسّن السينما مزاجه المرهف) أو في أحسن الاحتمالات، تُنهي الفيلم نهاية صريحة لا تجعل للمشاهد أي دور.

وما يجعل المخرجون يتبنون هذا الأسلوب هو أنه «ما يبيع»، فكر في أي فيلم تجاري عربي، ستجد أنه لا يهدف إلى تحقيق رسالة أو عرض قضية، وإنما كان هدفه إنعاش المشاهد بأحداث القتل أو الخيانات أو الرقص أو الكوميديا.

لماذا تنجح السينما الإيرانية بينما تخلو من أي مشاهد جنسية؟

بالمناسبة، يذكرني موضوع المقال بسؤال وجدته على كورا؛ إذ سأل أحدهم عن سر نجاح السينما الإيرانية على الرغم من خلوها من المشاهد الجنسية!

 وهو سؤال مهم، إذ يظن الكثير من العرب أن تقديم تنازلات سينمائية لا تتناسب مع ثقافات المشاهدين أو حتى ثقافة أبطال قضية الفيلم قد يساعدهم على الوصول إلى السينما العالمية.

لكن تقدم السينما الإيرانية نماذج ناجحة تخلو تمامًا من أي مشاهد جنسية أو حتى التلامس بين الممثلين والممثلات، بل دعني أقول أن هناك افلام ايرانية حصلت على أوسكار دون أن يلمس البطل يد البطلة! فما السبب؟

السينما الناجحة هي سينما الإنسان

سأرفق هنا جزءًا من إجابتي؛ نظرًا لارتباطها بموضوع المقال:

«لا أتذكر أنني شاهدت فيلمًا معينًا وقيمته تقييمًا مرتفعًا؛ لأن به مشاهد جنسية! كل ما يهمني حين أشاهد فيلم ايراني أو أي فيلم عمومًا هو أن أشعر به، أن يلمسني بقصته!

دعنا نذكر على سبيل المثال: أحد أفضل الأفلام العالمية على مر التاريخ وهو فيلم The Shawshank Redemption الذي حصل على 9.3/10 في تقييمات IMDB من أكثر من مليوني شخص! 

هذا الفيلم لا يحتوي على مشاهد جنسية، فلماذا يعد من أنجح الأفلام العالمية؟

إن هذا الفيلم كالعديد من أفلام السينما الإيرانية يعتمد على الإنسان كمحور أساسي؛ على حيرته.. تساؤلاته.. العلاقة بين رغباته والمجتمع والدولة والدين.. التفاوت الاجتماعي والقهر المفروض والطاغي في أنحاء كثيرة في هذا العالم.

إنه لا يهدف لتقديم المشاهد التي تعجب الجمهور، بل القصة التي يهم الجمهور معرفتها، والتفكير بها، والاطلاع على مسبباتها، ودراسة نتائجها.

إن السينما الإيرانية تقدم في العديد من أفلامها التاريخية الأفلام التي تحكي واقعهم بالفعل، وكيف تتغير ملامح الطبقات الاجتماعية من حينٍ لآخر.

افلام ايران تحكي الواقع الإيراني بشكل يلمس كل فرد في العالم

ومع ذلك، فلكي تتأثر بفيلم إيراني -عمومًا- لا يجب أن تكون إيرانيًا أو مهتمًا بالقضايا الإيرانية، إذ تصلح فكرة الكثير من الأفلام لمختلف المواقف والمجتمعات بغض النظر عن أيديولوجيتها!

خاصةً المجتمعات الشرقية والعربية، التي تعاني من العديد من المشكلات التي تعرضها افلام ايران الاجتماعية والإنسانية، وملخص ما أود قوله ما يأتي.

أسباب وصول السينما الإيرانية للعالمية في حين فشلت السينما العربية في ذلك

لذا أرجح أسباب نجاح السينما الإيرانية لكلٍ من:

• الحبكة الدرامية الإنسانية.
• قوة الإخراج.
• قوة السيناريو والحوار.
• أداء الممثلين غير المفتعل.
• زوايا التصوير المميزة.

---

ترشيح لبعض افلام ايران المهمة

تعد العديد من الأفلام الإيرانية من أفضل الأفلام التي شاهدتها في حياتي، فمن الصعب أن تشاهد أفلام مثل:

• بخصوص إيللي.
• طعم الكرز.
• رجم ثريا.
• الدائرة.
• البائع وانفصال وأطفال الجنة وغيرهم الكثير من الأفلام المميزة دون أن تتأثر وتندمج مع قصتهم.

إنها سينما تدفعك إلى التفكير في الإنسان والاهتمام بقضاياه، وليس في زيادة رغبتك في ارتكاب المزيد من الأخطاء أو تخدير الجمهور بما يود سماعه حتى يضحك وينتهي العرض!

كلمة أخيرة

برأيي أي فيلم به هذه المواصفات، سيكون فيلمًا ناجحًا. سواءً اشتمل على مشاهد جنسية أم لا.  سواءً أكان فيلمًا إيرانيًا أم لا.

في النهاية، الأمر لا علاقة له بالجنس أو الرقص أو أيًا ما كان المسمى، ما يهم هنا الإنسان. وهذا ما يجعل السينما الإيرانية مميزة، وقادرة على المنافسة العالمية.