محتوى المقال
دراسة الطب حلم الكثيرين ولا تخفى الأسباب على أحد. وبلا أدنى شك، دراسة الطب أمر ممتع لكنها متعبة في الوقت ذاته. أما عن المتعة، فهذا لكونك تدرس ما يُبهرك.. تعرف أشياء ما كنت تعرفها أبدًا على الرغم من أنك صاحبها! هذا الجسد المعقد، الجامع لتفاصيل رهيبة، يستحق الكثير من التأمل، وكامل الإعجاب.

وياليت الأمر توقف على المتعة. لكن هكذا الحياة، لا وجود لما هو كامل فيها. تدفعك دراسة الطب لتحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات في أقصر مدة زمنية.. من أجل الوصول إلى “مرتبة غير مضمونة”! لماذا غير مضمونة؟ لأن المعلومات متراكمة، والجزء النظري كبير، وكذلك العملي.. فإنك كفرد تحاول على قدر استطاعتك تحدي نفسك لفهم نفسك!
السؤال المضحك المحزن عن دراسة الطب
وجدت سؤالًا على موقع كورا يقول: هل أثرت دراسة الطب على حياتك؟ وفي الحقيقة، حين رأيته أول مرة، انتابتني ضحكات متتابعة، ثم قشعريرة من فجاعة الواقع، وعمق التأثير! وكتبت إجابة طويلة عريضة أفسر فيها كيف أثر الطب على حياتي! لا تقلق، سأرفقها هنا مع بعض التعديلات والإضافات والكثير من البهارات!
إذًا لندخل في الموضوع مباشرة، وهيا لأخبرك كيف أثرت دراسة الطب على حياتي؟ هل تريد الجوانب السلبية أولًا أم الإيجابية؟؟ دعنا نخلطها ببعضها، لأنني في منطقة رمادية الآن، ولا أستطيع التفريق بشكل جيد بين ما هو إيجابي وما هو سلبي (أعوذ بالله يا أخي!)
طول حياته يلعن ويسب!
ولكن ها هي أموري حاليًا:
تنبيه: أنا الآن أدرس الطب البشري.. ما يعني أنني ما زلت في منتصف المعركة ولا أعرف كيف ستنتهي.. وقد يكون كلامي السابق أو القادم مجرد هالة كاذبة تنشأ بسبب الابتعاد عن سوق العمل والتجربة الحقيقية. مَن يعلم؟
من المفترض أن يصبح الطب حياتك بالمعنى الحرفيّ للكلمة.. فكرة تنظيم الوقت في كلية الطب هي فكرة مضحكة وغالبا ما ستجلب لك تأنيب الضمير ولا تسألني كيف! الكتب لا تنتهي.. الفصول لا تنتهي.. الأمراض لا تنتهي.. الأسئلة لا تنتهي.. والجميع مستعد لخوض هذه المعاركة بتنافسية شديدة على حساب كل الأشياء في حياتهم.
إذا أردت الاستراحة، فستتأخر. إذا أردت التوقف، سيخوفونك. إذا أردت الحياة بشكل طبيعي، سيأكلك تأنيب الضمير حتى تتعفن!
مهما بدت الفقرة السابقة متطرفة أو غريبة لك، هذا هو الواقع في كلية الطب.. هناك تنافسية رهيبة دائما حتى في أتفه الأمور، يولد هذا ضغطا نفسيا مستمرا.. فلا أعتقد أنني نمت بعد دخولي الطب وأنا أشعر بــ “ أووه، الحمد لله النهاردا عملت أغلب اللي كنت عايزه!“.. أنت لا تقترب من هذا، الأمر أشبه بشبح تطارده، وتبقى تطارده لآخر لحظة!
فكرت يومًا في كتابة سيناريو عن حياة طالب طب، لكن للأسف لم أجد شيئًا يستحق التوثيق أو الإشارة.. وإذا قارنت حياة الطالب المتفوق -نسبة 99%- سأجد لا فرق بين نمط حياة مُسن يمكث على الفراش طوال اليوم، وطالب طب يمكث على مكتبه يذاكر طوال اليوم..
لكن في الحقيقة الأمر ليس بهذه السوداوية دائمًا، تيقنت من هذا حينما كنت أبحث عن مرض معين، فوجدت موقع Osmosis بطريقته الممتعة والمميزة. ما أحسن الطب لو دُرس بهذا الشكل، وما أبأس مَن يدرس الطب كما أدرسه! المهم، خرجت من الموقع بعد تأليفي لمثل “قال اللي عايز يدخل طب، هيفضل طول حياته يلعن ويسب”!
اقرأ لي أيضًا:
هاجس الدرجات

الحقيقة التي لن يخبرك إياها أحد يدرس الطب، وبقليل من الملاحظة ستدركها، هي أن كل طالب في كلية الطب مهووس بالدرجات. هاجس الدرجات يسيطر على حياته بشكل لا تتخيله. قد تختلف معي، وتقول: أي طالب مجتهد يجب أن يهتم بدرجاته الدراسية، أليس كذلك؟
صحيح، معك حق. ولكن حينما يتحول الأمر لما يشبه الهاجس والهوس، علينا أن نتوقف ونسأل لمَ؟ حينما يدرس الطالب من أجل الحصول على علامات دراسية مرتفعة فقط، علينا أن نتوقف ونسأل لمَ؟ حينما يكون أكبر همه هو دخوله على الدكتور في لجنة الشفوي.. غير مدرك أنه في يوم من الأيام، سيدخل على مريض، علينا أن نتوقف ونسأل لمَ؟
دراسة الطب وتقدير الذات
على عكس ما هو شائع مع الآخرين، قللت دراسة الطب من تقديري لنفسي أو على الأقل تحاول! فكما قلت مفهوم الإنجازية معدوم والتنافس شرس.. وإذا كنت شخصا متعدد الهوايات -مثلي- فستشتت نفسك في الكثير من الأشياء وهذا بالتأكيد سيؤثر على علاماتك الدراسية.. والمقارنة في طب حدث ولا حرج!.. كما أن “التقدير تراكمي” يعني أن كل علامة تخسرها ستؤثر مستقبلا على طبيعة تخصصك فيما بعد وفرص كثيرة أخرى! سأترك لخيالك العظيم الباقي.

لا جدوى ولا جودة!
في نقاش مع زملائي حول جودة التعليم الطبي.. اتفقنا جميعا على عقم نظام التعليم وصعوبته غير المبررة.. ولكن ما اختلفنا عليه هو جدوى هذا فيما بعد.. عبر أغلبهم أنهم يدرسون الطب لأن “فرصه جيدة” و”مطلوب” و”الربح المادي المستقبلي” مضمون بشكل كبير على عكس الكثير من الكليات الأخرى.. أما أنا فلم أستطع الاقتناع بأي من هذه الأشياء.. مما يسبب لي فراغ عاطفي دراسي، لأنني غير مرتبط بشكل أساسي بالكليّة أو جدوى الدراسة.
دراسة الطب والآخرين
كل من يعرف أنني أدرس الطب، يُشفق عليّ مع نظرة غريبة لا أفهمها و “ربنا يعينك!”.. والحقيقة هذا الأمر مسلي لأبعد حد! ربما لأنهم لا يتخيلون لمَ قد يعيش شخص كل عمره أمام الكتب؟ يحفظ ويحفظ ويحفظ ويحفظ.. ثم يُضرب في المستشفى بعد هذا (ههه أمزح، تتعرض نسبة بسيطة من الأطباء للضرب!)
بعيدًا عن شفقة الآخرين، تمنعني دراسة الطب من التواصل معهم.. سواء أكان هذا التواصل ممنوعا مؤقتا أو ممنوعا بشكله الفعال.. فأنا حقًا لو وجدت الوقت لكتابة هذه المقال، يفترض أنني لن أجد الوقت لمعرفة التعليقات.. ولو وجدت وقتا لأسأل صديق عن حاله، لن أجد وقتا لتداعيات هذا السؤال.. الأمور معقدة جدًا والناس لا تفهم هذا! يظنون أنه بما أنك لا تمسك الكتاب الآن، ولست منكبًا على التسجيلات والفيديوهات.. فهذا يوجب تفرغك.. بينما كل ما تود فعله، هو الاسترخاء وأخذ قسط من الحياة!
دراسة الطب: دوائر مفرغة
أعتبر نفسي من الحالات الفردية التي تفعل ما يحلو لها مع دراسة الطب.. فأنا أكتب على عدة مواقع من بينها مدونتي.. وأحاول القراءة والذهاب إلى الجيم بشكل منتظم.. لكن “أوائل الدفعة” و”الدحيحة” نادرا ما ستجدُ واحدًا يفعل مثل هذه الأمور، فبنظرهم “كل هذه الأشياء تافهة أو قابلة للتعويض فيما بعد! ههه”
أعرف مجموعة من الدحيحة (= الطلاب المجتهدون بغباء) الذين لا يفعلون أي شيء- بمعنى أي شيء- في حياتهم غير الاستيقاظ من النوم، الذهاب إلى الكلية، الدراسة من أول اليوم لآخره.. لا حياة اجتماعية.. لا أنشطة أخرى.. لا ترفيه.. لا شيء عزيزي!
الحالة السابقة لا تقتصر على الدحيحة في الحقيقة، فهذا حال طلاب طب أثناء فترات الامتحانات وهي كثيرة بالمناسبة وقد تمتد الامتحانات النهائية لكل عام لأكثر من شهرين متتابعين (وفي بعض الكليات، هناك امتحانات دورية أسبوعية أيضًا).
الجانب الجيد في الموضوع، أن الطب سيعرفك ما يستحق وقتك فعلا.. فأنت لا تملك وقتا كبيرا لكي تضيعه على أشياء لا تعنيك.. ودفعني هذا لاستغلال الوقت- أو على الأقل النية في استغلاله!
لماذا أقول هذا الكلام؟
لست من أصحاب النصائح والتوجيهات، لن أقول لك لا تدرس الطب. ولا أحب المنجمين، مَن سيقولون لو عاد بك الزمن لاخترت دراسة الطب. لأنني لا أكتب هذا الكلام من أجل ترهيب الناس من الطب. لأن دراسة الطب متعة. والعالم بحاجة إلى أطباء دائمًا، ولكن أولًا وأخيرًا عليهم أن يكونوا أطباء حقيقيين، يُدركون حجم المسؤولية ولكن في نفس الوقت يدركون حقهم في الحياة.
حقهم في أن يعيشوا بشكل طبيعي بعيدًا عن ضعف النظر، حفظ الكتب، وحصولهم على لا شيء في المقابل سوى أصوات السفهاء القائلين: اللي مش قد الطب يسيبه! لأن في الحقيقة، تعلم الأطباء بطريقة صحيحة لن يفيدهم بشكل أساسي، بل بالعكس، مردودة لك!
اقرأ لي أيضًا:
كتاب التكيف النفسي|| كيف تفهم حالتك النفسية؟
مراجعة فيلم طعم الكرز|| هل الانتحار هو الحل؟
ما القيم الإنسانية التي تود أن تتذكرها وتقوم بتطبيقها في حياتك؟
أقول هذا الكلام، لتعرف أن نظام دراسة الطب يحتاج لتعديل شامل، وتطوير ضروري، ومراعاة للدارسين بطريقة لا تفترض أن الحياة يجب أن تُعاش في الكتب، بين صفحات كتب الباثولوجي والباطنة.. ولعلني أقولها يومًا، وأعدل هذا المقال بــ ” قال اللي عايز يدخل طب، هيفضل طول حياته يفهم ويحب!”
شكرا على شرح تجربتك. والله أنا حزين على حال الأطباء وبتمنى يتحسن.
بالتوفيق في حياتك العملية.
ومَن منا لا يستطيع الحزن يا نصار؟
آمين. شكرًا على تعليقك.
Pingback: إدمان السوشال ميديا: كيف جعلتني مواقع التواصل أقل تواصلًا؟ مقالات
السلام عليكم
انا كان حلمي طب بشري ولقد عدت البكلوريا ثلاث سنوات ولم افلح واخر امتحان حصلت على معدل 98 وجائ قبولي في كلية طب الاسنان المشكلة اني احس نفسي لا احب طب الاسنان واشعر بالندم والخيبة والوم نفسي واحيانا افكر بان اعيد البكلوريا مرة اخرى فقد كنت دائما افكر بالطب البشري فماذا افعل انصحوني
وعليكم السلام أبو عبدالله
شكرًا على سؤالك، في الحقيقة عندي بعض التساؤلات التي أود طرحها:
– هل هناك تخصص معين كنت تريده؟
– لماذا طب بشري تحديدًا بعيدًا عن التخصص؟
إن أردت رأيي، طب الأسنان مطلوب جدًا ومريح نفسيًا واجتماعيًا أكثر من طب بشري، فأنت تعرف تخصصك من أول يوم، تستطيع العمل من وقتٍ مبكر بالمقارنة مع الأطباء البشريين، والرواتب أيضًا مرتفعة وهناك تقدير اجتماعي.
أي أن طب الأسنان ممتلئ بالمميزات، ضِف على ذلك إمكانية عمل جراحات في طب الأسنان إذا كنت تحب الجراحة!
الفوارق ليست كبيرة كما تتصور، أنت لديك إصرار لفعل ما تريد وأعتدت البكلوريا 3 مرات، فكر مع نفسك جيدًا وإن استقر رأيك على طب أسنان.. فالتزم فيه واصنع فيه ما تريد وأكثر.
ولا يصح أن تحكم على حبك من أول سنة ولا حتى في السنين القادمة، خاصةً أن بداية سنوات دراسة طب اسنان وبشري تتشابه جدًا جدًا، فالأساسيات واحدة.
أعطِ نفسك فرصة، ولا تحرق طاقتك في التفكير.
Pingback: أضرار وإدمان مواقع التواصل الاجتماعي: كيف جعلتني أقل تواصلًا؟ مقالات
كنت شخص يحب الحياة الهادئة يحب وضع الزهور على طاولة الطعام كنت شخص يحب الرسم والشعر، عندما بدأت دراسة الطب لم أعلم كم سأفقد شغفي في الحياة، اصبحت شبح انسان، لست حية لست ميته
أتفهم شعورك جدًا، الاصطدام بكل هذه التفاصيل والأمراض ومؤثرات الحياة الخارجية تجعلنا في مواجهة مستمرة مع الجمال والنظام والأمل.
ولكن آمل أن يتحسن شعورك مع الوقت، وأن تكتشفي إدارة مشاعرك وتوظيفها بطريقة فعّالة والعودة لوضع الزهور على الطاولة.
ربما قراءتكِ لتجارب الآخرين والكتب سيساعدانكِ على تجاوز هذا.
السلام عليكم
سوال يا دكتور و ارجو الاجابة انا قدامي ادخل كليه طب او صيدله ومعنديش اي تفضيل لكليه عن الأخري ممكن تقول رايك هكون شاكر جدا